ღمـلـكـﮱ قـلبـيـﮱღ مشرف عام
عدد المساهمات : 327 تاريخ التسجيل : 28/08/2009
| موضوع: غزوة فتح مكة الأربعاء سبتمبر 09, 2009 2:27 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كما كان في شهر رمضان المبارك غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها الإسلام وعلا مناره، كان فيه أيضا غزوة فتح مكة البلد الأمين في السنة الثامنة من الهجرة، فأنقذه الله بهذا الفتح العظيم من الشرك الأثيم، وصار بلدا إسلاميا حل فيه التوحيد عن الشرك، والإيمان عن الكفر، والإسلام عن الاستكبار، أعلنت فيه عبادة الواحد القهار، وكسرت فيه أوثان الشرك فما لها بعد ذلك انجبار.
سبب الغزوة:
كان سبب الفتح ما كان في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد –صلى الله عليه وسلم- وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل, فتواثبت خزاعة وقالوا: نحن ندخل في عقد محمد وعهده, وتواثبت بنو بكر وقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم.
فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرا، ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء يقال له الوتير -وهو قريب من مكة- وقالت قريش: ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا من أحد, فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فركب عمرو بن سالم عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبر الخبر وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنشدها إياه:
يا رب إني ناشد محمدا
حلف أبيه وأبينا الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصرا أبدا
وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا
إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجرى مزبدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا
فهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نصرت يا عمرو بن سالم)) فما برح حتى مرت بنا سحابة في السماء, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب.
وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم.
أما قريش فسقط في أيديهم ورأوا أنهم بفعلهم هذا نقضوا عهدهم, فأرسلوا زعيمهم أبا سفيان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشد العقد ويزيد في المدة، فكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك فلم يرد عليه، ثم كلم أبا بكر وعمر ليشفعا له إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يفلح، ثم كلم علي بن أبي طالب فلم يفلح أيضا، فقال له: ما ترى يا أبا الحسن؟ قال: ما أرى شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس، قال: أترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: لا والله, ولكن ما أجد لك غيره.
ففعل أبو سفيان ثم رجع إلى مكة فقالت له قريش: ما وراءك؟ قال: أتيت محمدا فكلمته فوالله ما رد علي شيئا, ثم أتيت ابن أبي قحافة وابن الخطاب فلم أجد خيرا, ثم أتيت عليا فأشار علي بشيء صنعته أجرت بين الناس, قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويحك, ما زاد الرجل (يعنون عليا) أن لعب بك.
وأما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أمر أصحابه بالتجهز للقتال, وأخبرهم بما يريد, واستنفر من حوله من القبائل وقال: ((اللهم خذ الأخبار والعيون عن قريش حتى نبغتها في بلادها)), ثم خرج من المدينة بنحو عشرة آلاف مقاتل, وولى على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم, ولما كان في أثناء الطريق لقيه في الجحفة عمه العباس بأهله وعياله مهاجرا مسلما, وفي مكان يسمى الأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابن عمته عبد الله ابن أبي أمية, وكانا من أشد أعدائه فأسلما فقبل منهما, وقال في أبي سفيان: ((أرجو أن يكون خلفا من حمزة)).
ولما بلغ -صلى الله عليه وسلم- مكانا يسمى مر الظهران قريبا من مكة أمر الجيش فأوقدوا عشرة آلاف نار, وجعل على الحرس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وركب العباس بغلة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلتمس أحدا يبلغ قريشا ليخرجوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيطلبوا الأمان منه ولا يحصل القتال في مكة البلد الأمين، فبينما هو يسير سمع كلام أبي سفيان يقول لبديل بن ورقاء: ما رأيت كالليلة نيرانا قط، فقال بديل: هذه خزاعة، فقال أبو سفيان: خزاعة أقل من ذلك وأذل، فعرف العباس صوت أبي سفيان فناداه فقال: ما لك أبا الفضل؟
قال: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس، قال: فما الحيلة؟ قال العباس: اركب حتى آتي بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأستأمنه لك، فأتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ويحك يا أبا سفيان, أما آن أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟)) فقال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! لقد علمت أن لو كان مع الله غيره لأغنى عني.
قال: ((أما آن لك أن تعلم أني رسول الله؟)), فتلكأ أبو سفيان، فقال له العباس: ويحك أسلم فأسلم وشهد شهادة الحق.
ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- العباس أن يوقف أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى يمر به المسلمون، فمر به القبائل على راياتها ما تمر به قبيلة إلا سأل عنها العباس فيخبره فيقول: ما لي ولها؟ حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها فقال: من هذه؟ قال العباس: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فلما حاذاه سعد قال: أبا سفيان, اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب وأجلها فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ورايته مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي سفيان أخبره بما قال سعد, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة)), ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تؤخذ الراية من سعد وتدفع إلى ابنه قيس, ورأى أنها لم تخرج عن سعد خروجا كاملا إذا صارت على ابنه.
ثم مضى -صلى الله عليه وسلم- وأمر أن تركز رايته بالحجون، ثم دخل مكة فاتحا مؤزرا منصورا قد طأطأ رأسه تواضعا لله -عز وجل- حتى إن جبهته تكاد تمس رحله وهو يقرأ قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} سورة الفتح (1). ويرجعها.
وبعث -صلى الله عليه وسلم- على إحدى المجنبتين خالد بن الوليد وعلى الأخرى الزبير بن العوام, وقال: ((من دخل المسجد فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل بيته وأغلق بابه فهو آمن))، ثم مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى المسجد الحرام فطاف به على راحلته، وكان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم، فجعل -صلى الله عليه وسلم- يطعنها بقوس معه ويقول: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} سورة الإسراء(81). {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} سورة سبأ (49). والأصنام تتساقط على وجوهها، ثم دخل -صلى الله عليه وسلم- الكعبة فإذا فيها صور فأمر بها فمحيت ثم صلى فيها، فلما فرغ دار فيها وكبر في نواحيها ووحد الله -عز وجل- ثم وقف على باب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ما يفعل، فأخذ بعضادتي الباب وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش, إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب, {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} سورة الحجرات(13). يا معشر قريش, ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: ((فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم} سورة يوسف (92). اذهبوا فأنتم الطلقاء1.
ولما كان اليوم الثاني من الفتح قام النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: ((إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له إن الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب))2. -وكانت الساعة التي أحلت فيها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طلوع الشمس إلى صلاة العصر يوم الفتح-، ثم أقام -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يوما يقصر الصلاة, ولم يصم بقية الشهر»؛ لأنه لم ينو قطع السفر، أقام ذلك لتوطيد التوحيد ودعائم الإسلام وتثبيت الإيمان ومبايعة الناس. وفي الصحيح: عن مجاشع –رضي الله عنه- قال: «أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخي بعد الفتح, قلت: يا رسول الله, جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة. قال: «ذهب أهل الهجرة بما فيها».
فقلت: على أي شيء تبايعه؟ قال: «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد»3.
وبهذا الفتح المبين تم نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجا، وعاد بلد الله بلدا إسلاميا أعلن فيه بتوحيد الله وتصديق رسوله وتحكيم كتابه, وصارت الدولة فيه للمسلمين واندحر الشرك وتبدد ظلامه ولله الحمد، وذلك من فضل الله على عباده إلى يوم القيامة.
وقفة مع أحداث الغزوة:
لقد حدثت في هذه الغزوة العظيمة وعقيبها أحداث مثيرة لا يتسع المجال لذكرها كاملة, والتي منها قصة حاطب المشهورة, وما كان من أمره مع أهل مكة في إرساله رسالة لهم يخبرهم بعزم الرسول –صلى الله عليه وسلم- على الهجوم عليهم, وعتاب الله له والعفو عنه.
ومنها إسلام أبي قحافة والد أبي بكر الصديق –رضي الله عنهما- وغيرها لكن أقتصر على ذكر هذا الموقف الذي يبين مكانة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند ربه وحفظه إياه, تلكم قصة فضالة حيث كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يطوف بالبيت يوم الفتح وكان فضالة بن عمير ابن الملوح فكر في قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف, فلما دنا من الرسول-صلى الله عليه وسلم- قال الرسول –عليه الصلاة والسلام-: أفضالة؟ قال: نعم, فضالة يا رسول الله. قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء, كنت أذكر الله. فضحك النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم قال: استغفر الله, ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه, فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه. قال فضالة: فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها, فقالت: هلم إلى الحديث, فقلت: لا, وانبعثت أقول:
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا
يأبى عليك الله والإسلام
لو ما رأيت محمدا وقبيله
بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بيننا
والشرك يغشى وجههه الإظلام
ومن الأحداث يوم الفتح: سرايا بعثها –عليه الصلاة والسلام-حول مكة, ولم يأمرهم بالقتال؛ منها: سرية خالد بني جذيمة , وقصة إسلام عباس بن مرداس, وهدم خالد بن الوليد للعزى بنخلة الذي كانت تعظمه قريش وكنانة ومضر.
دروس وعبر من الفتح:
إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبرا نذكر منها ما يلي:
1- بيان عاقبة نكث العهود وأنها وخيمة للغاية, إذ قريش نكثت عهدها فحلت بها الهزيمة وخسرت كيانها الذي كانت تدافع عنه وتحميه.
2- مشروعية السفر في رمضان وجواز الفطر والصيام فيه على حد سواء.
3- مشروعية التعمية على العدو حتى يباغت قبل أن يكون قد جمع قواه فتسرع إليه الهزيمة وتقل الضحايا والأموات من الجانبين حقنا للدماء البشرية.
4- فضيلة إقالة عثرة الكرام, وفضل أهل بدر تجلى في العفو عن حاطب بعد عتابه.
5- بيان الكمال المحمدي في قيادة الجيوش وتحقيق الانتصارات الباهرة.
6- مشروعية إنزال الناس منازلهم,حيث تجلى هذا في إعطاء الرسول –صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان كلمات يقولهن فيكون ذلك فخرا واعتزازا, وهو قوله: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)).
7- بيان تواضع الرسول –صلى الله عليه وسلم- لربه شكرا له على آلائه وإنعامه عليه إذ دخل مكة مطأطئا رأسه حتى أن لحيته تمس رحل ناقته تواضعا لله وخشوعا.
8- بيان العفو المحمدي الكبير إذ عفا عن قريش -العدو الألد- ولم يقتل منهم سوى أربعة رجال وامرأتين إذ رفضوا الإسلام.
9- مشروعية كسر الأصنام والصور والتماثيل وإبعادها من بيوت الله تعالى.
اللهم ارزقنا شكر هذه النعمة العظيمة، وحقق النصر للأمة الإسلامية كل وقت وفي كل مكان، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين
| |
|